Sudan Moments

الدولة والاعلام المستقل

في عام مضى..شنّت الدولة عبر ذ المعني هجوما شديدً على الراصد الجوي منذر أحمد الحاج الذي أصبح أحد أبرز الأصوات التي تقدم للسودانيين تقارير جوية دقيقة وموثوقة.
.لم يكن هذا الهجوم مجرد تصرف عابر بل يعكس سياسة الأنظمة الشمولية التي لا تتحمل أي صوت قد ينافس سلطتها أو يتفوق عليها في مجال تقديم الخدمة للمواطنين.
.منذر ؛الذي استطاع كسب قلوب وعقول ملايين السودانيين بأسلوبه البسيط والعلمي في رصد أحوال الطقس أصبح رمزًا للشفافية في زمن يحتاج فيه المواطنون إلى معرفة كل ما يخص حياتهم اليومية دون تزوير أو تحريف.
ولكن..وكما هو الحال في الأنظمة التي لا تفسح المجال للحرية كان لا بد أن تتدخل الهيئة العامة للأرصاد الجوية لتصادر هذا الصوت.
.ففي بيان لها دعت الهيئة السودانيين إلى عدم الاستماع أو متابعة تقارير الطقس إلا عبر القنوات التابعة لها محذرة من استقاء الأخبار من جهات أخرى.
.هذا البيان الذي كان يُفترض أن يعزز دور الهيئة في تقديم خدماتها أثار موجة من السخرية والانتقادات ؛وأدى إلى تفاقم هوة الثقة بين المواطن والدولة.
.والغريب في الأمر أن الهيئة بدلاً من أن تطور نفسها لتواكب أسلوب المنذر الذي جذب قلوب الناس بسبب دقته وسلاسته اختارت أن تفرض وصايتها على الشعب السوداني وتطلب منه أن يتابعها “على علاتها” كما هو الحال في العديد من الهيئات الحكومية التي تقتصر خدماتها على تقديم الحد الأدنى من الخدمة بعيدًا عن التفوق في الأداء..بدلاً من أن تتحلى بمهنية عالية تتناسب مع احتياجات المواطن في زمن تحوّل فيه الإعلام إلى أداة رئيسية لبناء الثقة ؛ فضّلت الهيئة أن تكون في موضع الهجوم على من يسعى لتلبية هذا الاحتياج.
.اليوم.. تستمر الدولة في شن الهجمات على الناشط محمد خليفة الذي أصبح مصدرًا رئيسيًا للعديد من السودانيين للحصول على الأخبار الدقيقة حول المعارك والمستجدات في البلاد.
. إنّ محمد خليفة كما كان الحال مع منذر أصبح صوتًا يصدح بالحقائق التي يرغب الناس في معرفتها؛ حتى في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.
.كما أنه يعكس نمطًا من الإعلام الذي يعتمد على الشفافية والمصداقية في نقل الأخبار وهذا ما افتقده المواطن السوداني في العديد من المصادر الرسمية.
.هنا يبرز السؤال الجوهري: لماذا ترك الناس المصادر الرسمية وتوجهوا نحو الشخصيات الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ لماذا فضلوا متابعة أخبار المعارك من خلال “خال الغلابه” بدلاً من وسائل الإعلام التابعة للدولة؟ لماذا بدلاً من محاولة التنازع على حصص التأثير الإعلامي لا تسعى الحكومة إلى تعزيز الشفافية والصدق في تعاملها مع الشعب؟
.الجواب يكمن في أن المواطن السوداني قد فقد الثقة في الكثير من الجهات الرسمية التي غالبًا ما تفرض وصايتها على الحقيقة وتزيّف المعلومات أو تتأخر في نشرها.. فقد أصبح المواطن يشعر أن في الإعلام الحكومي نوعًا من التقاعس المتعمد أو محاولة لتوجيه الرأي العام وفقًا لأجندات سياسية بعيدًا عن الواقع الذي يعيشه المواطن.
وفي هذا الصدد؛ تبرز أهمية الإعلام الحر والمستقل الذي لا يتأثر بالضغوطات السياسية أو الحزبية.
.إن قدرة الإعلام على تقديم الأخبار بشفافية وصدق هو أمر ضروري لبناء الثقة بين الدولة والشعب. وما كان يجب على الهيئة أن تتعامل مع أصوات منذر الحاج ومحمد خليفة بهذه الطريقة العدائية؛ بل كان الأجدر بها أن تسعى للتعاون مع هؤلاء الناشطين في سبيل تقديم أفضل خدمة للمواطن.

في الختام ما يزال سؤال الشفافية والمصداقية في الإعلام السوداني قائمًا..على الحكومة أن تدرك أن المواطن لا يحتاج إلى وصاية على عقله أو مصادر معلوماته؛ بل يحتاج إلى دعم حقيقي للشفافية والصدق مع ضمان أن تكون وسائل الإعلام الرسمية هي الأقوى والأكثر مصداقية.